هل طفلى مريض حقاً؟
هل طفلى مريض حقاً؟
فجأة يبدأ طفلك يشكو من مغص أو صداع، دوخة أو إرهاق غير معتاد. أنت تعرفين أنه يعانى من بعض المشاكل فى المدرسة، البيت، أو مع أصدقائه. ماذا تفعلين؟ كيف تتعاملين مع شكوى طفلك عندما تعتقدين أن سببها نفسى وليس عضوى؟
يطلق الأطباء على الشكاوى المرضية الناتجة عن الاضطرابات النفسية بالأمراض النفسية العضوية. الأطفال أكثر عرضة لهذه النوعية من الشكاوى لأن قدرتهم على التعبير عن مشاعرهم بطريقة فعالة والتنفيس عنها بطريقة إيجابية لا تكون قد نضجت بعد. لكن هل يعنى هذا أن تتجاهلوا شكواهم أو تتهموهم بأنهم متكاسلون أو بأنهم مدللون أو يحاولون لفت الانتباه؟
رغم أن هذه الشكاوى العضوية قد تكون نابعة من حالة الطفل الذهنية، إلا أنها قد تجعل الطفل تعيساً بالفعل – خاصةً إذا لم يحصل الطفل على الاهتمام اللازم من أبويه. إن إشعار الطفل بحب واهتمام أكثر يمكن أن يكون له فى أغلب الحالات تأثير إيجابى أقوى وأكثر أماناً من الأدوية. لكن فى بعض الأحيان تكون هذه الأمراض النفسية العضوية خطيرة. بعض الأطفال يعانون من نوبات ربو، طفح جلدى، إكزيما، وقرح فى المعدة.
تقول د. جوزيت عبد الله – أستاذ مساعد الطب النفسى: “أى مشكلة نفسية عضوية سواء فى الأطفال أو الكبار يجب أن تنال الاهتمام والاحترام أيضاً. فهذه الأعراض إنما تعكس مشكلة ما، قلق، أو خوف لا يستطيع الإنسان التعبير عنهم بوضوح لأسباب كثيرة. لذا فالإنسان الذى يعانى من تلك الأعراض يكون وكأنه يصرخ طالباً المساعدة، ويجب أن نستقبل هذا النداء ونستجيب له عن طريق البحث عن الأسباب المحتملة للضغوط النفسية التى يعانى منها هذا الشخص ثم محاولة التعامل مع هذه الضغوط تبعاً لذلك.”
إذا شعرت أن طفلك يعانى من أعراض نفسية عضوية، ضعى فى اعتبارك عند التعامل معه أنه لا يدرك أن آلامه العضوية ناتجة عن حالته النفسية. الطفل ليس لديه الوعى الكافى لكى يفهم أن المغص الذى يعانى منه فى الصباح على سبيل المثال قد يكون ناتجاً عن عدم رغبته فى الذهاب إلى المدرسة.
عندما يشكو طفلك من أعراض معينة، خذى الأمر بجدية واستشيرى الطبيب، لكن اذكرى للطبيب أى ضغوط نفسية يعانى منها الطفل لأن الأطباء ينظرون عادةً إلى الأسباب العضوية الواضحة ويصفون الدواء للتخفيف عن الطفل رغم أن سبب الشكوى قد يكون نفسياً. توضح د. جوزيت قائلة: “يجب اللجوء للطبيب فى البداية للتأكد من عدم وجود مرض عضوى. إذا لم تكن هناك أسباب عضوية فإننا نستبعد بالتالى هذا الاحتمال ونبدأ فى البحث ومحاولة التعرف على الأسباب النفسية الكامنة. يجب أن يأخذ الآباء هذه الأمور بجدية وهدوء شديد، كما ينبغى التعامل مع هذه المشكلة بشكل غير مباشر قدر الإمكان حتى لا نزيد من خوف الطفل أو قلقه. إن ملاحظة الطفل فى المدرسة وفى كل المناسبات المدرسية، فهم إمكانياته، مخاوفه، مشاكله، مضايقاته، وأيضاً فهم ما يجرى فى المدرسة بدءاً من ركوبه الأتوبيس (فربما يتعرض فى الأتوبيس لتحرش أطفال آخرين أو حتى كبار) إلى زملائه، مدرسيه، عبء الدراسة، العقاب المدرسى، كل هذا قد يوضح سبب مخاوفه التى تكمن فى عقله وتجعله بشكل لا شعورى يعانى من أعراض نفسية عضوية محاولة منه فى التكيف مع هذه الأمور.”
حتى لو كان طفلك يشكو من صداع أو مغص فقط، يجب أن تشفقى عليه – تخيلى مدى الألم الذى ستعانين منه لو أخبرك شخص أن ما تعانين منه ليس إلا حالة نفسية! الأبوان لهما دور هام فى تربية أطفالهما عضوياً ونفسياً وقد أثبتت الأبحاث أن الأطفال الذين تعانى أمهاتهم من الاكتئاب أو القلق يكونون أكثر احتمالاً للإصابة بأعراض نفسية عضوية. هؤلاء الأمهات تكن أكثر ميلاً للمبالغة فى ردود أفعالهن تجاه الأعراض التى يعانى منها أطفالهن، يسارعن بالذهاب للطبيب عند أول إشارة مما يؤدى إلى الدخول فى دائرة المبالغة فى الشكاوى العضوية، لكن لا يعنى هذا أن يتجاهل الآباء احتمال وجود شكاوى حقيقية بالفعل. تحذر د. جوزيت فتقول: “الآباء الذين يتسم سلوكهم بالسيطرة، وعدم التفهم، والقسوة لن ينفعوا أطفالهم فى هذه الحالة بل على العكس قد يكونون من أكبر عوامل زيادة الخوف لدى أطفالهم وبالتالى زيادة الأعراض النفسية العضوية. المرونة، التفهم، الحب، طمأنة الطفل، ومحاولة استدراجه برفق لكى يعبر عما بداخله هى الأساليب الأفضل فى مثل هذه المواقف.”
أحياناً النزاعات الزوجية يكون لها تأثير بالغ على الطفل أيضاً. الأبوان اللذان لا يتفقان أبداً على شئ غالباً ما يتفقان فى اهتمامهما بصحة طفلهما مما قد يؤدى إلى مبالغة الطفل فى شكواه حتى يشعر بالوفاق بين والديه.
إن تشجيع طفلك على التعبير عما يضايقه خطوة هامة فى سبيل شفائه من الأعراض النفسية العضوية التى يعانى منها. بمساعدته على التعبير عن قلقه ومخاوفه وعلى إيجاد طرق للتعامل معها، فأنت بذلك تعالجين جذور المشكلة بدلاً من مجرد تخفيف الأعراض.

الدكتورة جوزيت عبد الله هي أستاذة مشاركة في علم النفس وأخصائي نفسي سريري مرخص. حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة عين شمس وكانت أستاذة علم النفس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. تعمل حاليًا في عيادة خاصة كاستشارية في علم النفس السريري
قد يكون مرض الطفل نتيجة لفقدان الامان النفسي لوجود اخ اصغر ينال الرعاية. لذلك اشركي الاخ الاكبر في كل المواقف المتعلقة باخيه الاصغر.