هذا الشبل من ذاك الأسد
هذا الشبل من ذاك الأسد
هل الأبناء يشبهون آباءهم فى السلوك والطباع؟ ما مدى اختلاف سلوكياتنا عن سلوكيات أطفالنا؟ يسأل مارك أتكينسون ما إذا كان تمتُعنا نحن بالصبر هو المفتاح لزرع هذه الفضيلة فى أطفالنا.
كثيراً ما يقال أننا كلما كبرنا كلما أصبحت طباعنا أشبه بطباع آبائنا. ترى هذه النظرية أن الأطفال الذين يتعرضون للاعتداء والعنف فى الصغر، فى كثير من الأحوال يتحولون هم أنفسهم عندما يكبرون إلى أشخاص معتدين، كما أن قدرتنا على الحب تعكس درجة الحب التى تمتعنا نحن بها فى الصغر. رغم أن ذلك قد يتماشى مع المنطق، إلا أن البعض قد يرى أن هذه نظرة مبسطة أكثر من اللازم.
لقد شاهدت ذات مرة فيلماً تسجيلياً عن شاب متمرد – قرابة العشرين من عمره – يرتكب جريمة وحشية. صدم والد الشاب مما حدث ولكنه لم يسكت وحاول معرفة السبب فيما جرى وكان على استعداد تام لتقبل أى اتهام أو انتقاد يوجه له. ورغم أن الفيلم لم يحسم الأمر بمسئولية أو عدم مسئولية الأب عما حدث، إلا أن الأب اعترف بأنه قد قصر فى اهتمامه بابنه عندما كان صغيراً مما أضاف إلى مشاعر الأب الحزينة شعوراً بالذنب تجاه ابنه. من وجهة نظر الأب، أنه لم يعرف ابنه جيداً وكان غافلاً عنه وعن التراكمات التى حدثت بداخله ودفعته لارتكاب هذه الجريمة الشنعاء. قد يكون هذا الأب المسكين قد قصر بالفعل فى حق ابنه لكنه لم يكن مجرماً ومن الصعب أن نتصور أنه المسئول عن الجريمة التى ارتكبها ابنه.
أغلب الآباء مطحونون فى دوامة الحياة التى تجعلهم غرباء بالنسبة لأطفالهم (غالباً بسبب الظروف الاقتصادية)، لكن هذا لا يدفع أبناءهم لارتكاب جرائم قتل. فإذا عدنا إلى الوراء جيلين، لم يكن الأب يشارك إلا بشكل بسيط وربما لا يشارك على الإطلاق فى حياة طفله اليومية، ورغم ذلك لم يؤدى هذا إلى حدوث خلل فى المجتمع. ونفس الشئ ينطبق على الأجيال السابقة من الأمهات اللاتى لعدم وعيهن بأهمية الرضاعة الطبيعية كانت تلجأ كثير منهن للرضاعة الصناعية، وأيضاً لم يؤدى ذلك إلى أطفال يعانون من إعاقات ذهنية أو لديهم عيوب بسبب سوء التغذية.
بالنسبة لهذا الابن، لابد وأن هناك شئ أعمق من افتقاده للاهتمام هو الذى أدى به إلى هذه الحال. لكن ألا يجدر بنا أن نفكر فى القيم التى نريد أن نبثها فى أبنائنا، وكيف يمكننا بث هذه القيم فيهم بحرصنا نحن على أن نكون قدوة لهم فى تمسكنا بهذه القيم؟ يتجلى هذا الأمر بوضوح بين الأب والابن. نحن كآباء نمثل لأطفالنا دور الأبطال وهم يحبون تقليدنا فى كل شئ. إذا صرخنا، يفعلون مثلنا، إذا أظهرنا سلوكاً عنيفاً، يتصرفون بعنف، وعلى العكس إذا كنا طيبين وعطوفين، فغالباً سيتسم أطفالنا بنفس هذه السلوكيات الطيبة.
بالطبع نحن بشر، ومن السهل أن نفقد أعصابنا فى بعض الأحيان، على سبيل المثال، عندما يكسر علينا شخص بسيارته أثناء القيادة، وأحياناً نظهر غضبنا من زوجاتنا أمام أطفالنا. منذ بضع أيام خرج أمامى فجأة أحد الأشخاص وهو يقود سيارة من شارع جانبى وكدت أصطدم به بسيارتى. رد فعلى اللحظى أننى قلت “رجل غبى”. قلتها بصوت لم يسمعه الشخص الآخر ولكنه كان كافياً لأن يسمعه ابنى الذى يبلغ الثالثة من عمره. ظل طفلى طوال اليوم يرقص حول البيت وهو سعيد مردداً: “رجل غبى، رجل غبى”. بالطبع ليس هذا السلوك الذى أتمنى لابنى أن يسلكه حتى ولو كان تنفلت منى فى بعض الأحيان بعض السلوكيات التى لا أرضى عنها. الحمد لله أننى لم أقل أكثر من ذلك!
أقلقنى أكثر موقف شاهدته مؤخراً فى أحد “المولات” حيث أخذ طفل صغير فى السادسة جهاز اللاسلكى من رجل الأمن مداعباً إياه. كان رجل الأمن هادئاً وكان يستطيع أخذ الجهاز فى أى وقت، ولكنى أتذكر أننى رأيت وقتها أنه رغم عدم خطورة الموقف، إلا أن سلوك الطفل كان يتسم بالحماقة وعدم الاحترام. بعد لحظات ظهر الأب واستنتجت وقتها السبب الذى قد يكون وراء سلوك الطفل. لم يكن الأب منتبهاً للطفل منذ البداية لكنه عندما رأى ما حدث من ابنه، جاء مهرولاً ناحية الطفل وعلى وجهه علامات غضب لا أستطيع وصفها. بدأ الطفل يجرى – غالباً لأنه يعرف ما سيحدث له، ولكن كان والد الطفل أسرع منه حيث قام بركل الطفل من الخلف بقوة جعلته يطير فى المكان. هل هذا التصرف العنيف من جانب الأب له مبرر أم أن تعرض الطفل لمثل هذا العنف قد يؤدى به إلى المزيد من التمرد؟
هل تمتُعنا نحن بالصبر هو الطريق لزرع الصبر فى أطفالنا؟ على كل حال، إن تمتعنا بالصبر حتماً لن يضر، لكن على الجانب الآخر، عدم الصبر والعنف الذى يتصف به بعض الآباء يمكن أن يزرع فى أطفالهم بسهولة نفس السلوكيات. الأطفال خاصةً فى سن التكوين يكونون مثل الإسفنج يمتصون كل شئ، ويجب أن نحرص قدر استطاعتنا على أن يمتصوا أكبر قدر من الأشياء الجيدة. فى النهاية، فإن الحلول الإيجابية التى نحتاج إليها من أجل تهدئة العالم المضطرب الذى نعيشه هى فى الواقع فى أيدى أبنائنا وأبناء أبنائنا، فما سنزرعه فيهم اليوم هو ما سيفرزونه فى العالم غداً.
[من أرشيفنا]
تشمل مجموعتنا الواسعة من المقالات جهود أكثر من 20 عامًا من العمل وتغطي مجموعة واسعة من الموضوعات المتعلقة برعاية الأسرة والطفل. تم تطوير جميع مقالاتنا وتحديثها بمساعدة ودعم القادة في مجالات الطب والتغذية والأبوة والأمومة ، من بين أمور أخرى.