كل سنة وأنت طيب يا هاشم
كل سنة وأنت طيب يا هاشم
لا يتصور والد هاشم أن عاماً كاملاً قد مر منذ مولده، وهم الآن يحتفلون بعيد ميلاده الأول!
من أرشيفنا: يوليو ٢٠٠٢
أنا لا أصدق أن سنة كاملة قد مرت على ولادة هاشم! ياه! الحمد لله على كل شىء! إن الوقت يمر بسرعة البرق. يبدو وكأنه الأمس عندما كان هاشم يتعلم الحبو، يبدو وكأنه الأسبوع الماضى عندما كان يبكى من التقلصات، وليس ببعيد عندما كان مستقراً بين ذراعى أمه فى غرفة الولادة. أتذكر ما كان أبى يقوله لى دائماً (ويذكرنى به من حين لآخر)….”الحياة قصيرة: فى لمح البصر سيكبر أطفالك وستتعجب وقتها أين ذهب الوقت.” لم تعنى هذه الكلمات بالنسبة لى وقتها كما تعنى بالنسبة لى الآن.
عندما أنظر إلى الماضى، تبدو الشهور وكأنها ثوان، والسنين وكأنها دقائق. كثيراً ما ننسى ما هى الأشياء التى تهمنا. نهمل أصدقاءنا وأهلنا لأنه “لا يوجد لدينا وقت، كما أن هناك دائماً غد.” نجد أنفسنا غارقين فى العمل غير مدركين أن روتين حياتنا اليومية يمكن أن يكون مصيدة. نتحول إلى ماكينات، أو إلى إنسان آلى نواياه حسنة، ولكن عادةً لا يصل إلى النتائج المطلوبة. وقبل أن يمر وقت طويل، ندفع ثمن هذا الضغط والانشغال ونجد أنفسنا نغرق أكثر وأكثر فى بئر ليس له قرار.
لكن لا تيأسوا! فالحل فى الواقع أبسط مما تتوقعون. لخوفى من أبدو مملاً أو مردداً لبعض الكليشيهات، دعونى أقول لكم ببساطة، خذوا بعض الوقت لأنفسكم، غيروا روتين حياتكم. فاجئوا أهلكم بالزيارة والخروج لتناول العشاء. اسمعوا بعض الموسيقى. كما يمكن أن يخلو كل منا بنفسه بعض الوقت، حتى لو أمضى ذلك الوقت فى القراءة، الصلاة، أو التأمل، فقد يكون هذا كافياَ لإعطاء بعض الراحة والاسترخاء.
اقضوا مع أطفالكم أطول وقت ممكن. شاهدوهم وهم يلعبون. استمتعوا برؤية بريق عيونهم عندما يكتشفون شيئاً جديداً. ولك أيها الأب، شارك فى إطعام طفلك، فى إعطائه الحمام، والقراءة له. عرف طفلك على الألعاب الجديدة، سواء فى البيت أو خارج البيت. قم بعمل أنشطة مع أسرتك ومع طفلك وحدكما، فالمتعة التى ستشعرون بها جميعاً لن تقدر بثمن! تذكر أن الأطفال سريعى التأثر، أقوياء الملاحظة، وصرحاء إلى أبعد الحدود. عاد صديق لى من عمله ذات يوم، ففوجىء بابنته التى تبلغ من العمر عامين تناديه قائلة “أحمد بيه”. هذا ما سمهته من ال “دادة”، فظنت أن هذا هو أسم أبيها! (ملحوظة: فى رأيى الشخصى، أنتما أنجبتما طفلاً…فيجب أن تقوما أنتما بتربيته. المساعدة شىء مقبول ولكن لا تعطيا مسئولية تربية أطفالكما للآخرين… فقد تندما على ذلك فيما بعد.)
إذا كان لى أن أتفلسف بعض الشىء فأود أن أقول: على مرور السنين، نحن نمر بمراحل كثيرة. قد يكون هناك بعض الاستثناءات، ولكننا جميعاً نمر تقريباً بنفس المراحل. عندما نكون أطفالاً، لا يكون لدينا مسئوليات، ونرى آباءنا وكأنهم يعرفون كل شىء وأنهم ذوو سلطة جبارة. عندما نصل إلى سن المراهقة نبدأ فى التمرد. قد يكون تمرد بعضنا أكثر عنفاً من الآخرين، ولكننا بشكل عام نبدأ فى التفكير باستقلالية أكثر. نبدأ فى تحدى تلك الأفكار التى تربينا على أنها أمر واقع. فى العشرينات، نشعر وكأننا نعرف كل شىء يمكن معرفته، ويبدو وكأن الوقت لا ينتهى، ونشعر وكأننا لا يمكن أن نقهر أو نفنى. سن الثلاثين يكون بمثابة جرس إنذار. تبدأ المسئولية. تكوين أسرة، زأخيراَ نبدأ فى فهم ما كان آباؤنا يقولونه لنا طوال عشرين عاماً. (إن آباؤك – الذين يسبقونك بجيلين أو ثلاثة – هم فى الواقع جوهرة لا تقدر بثمن، ولكن مع الأسف نحن لا نحاول الاستفادة دائماً من وجود هذه الجوهرة.) خلال الأربعينات والخمسينات، قيل لى أننا نبدأ فى التواؤم مع أنفسنا ونصبح معتدلين، كما أننا نميل أكثر إلى التفكير والتأمل. أيضاً من وجهة نظر أبنائنا الذين سيكونون فى سن المراهقة، أننا أصبحنا صورة أخرى من آبائنا. وأخيراً، فى سن الستينات وما بعدها، نحن نتطلع إلى شكل آخر للحياة أكثر هدوءاً ومتعة، حيث يأتى إلينا أحفادنا لنلعب معهم (ولكن ليس علينا بالضرورة إطعامهم أو تغيير ملابسهم). فى ذلك الوقت، نعطى خبرتنا ونصائحنا للأجيال القادمة التى تبدأ دورة جديدة للحياة. هذه ببساطة مراحل الحياة التى قلما يحيد عنها أحد.
أعود إلى الموضوع مرة أخرى فأقول، بما أننا نعرف كل هذا، فيجب أن نأخذ أكثر ما نستطيع من كل مرحلة من تلك المراحل. خطط لغدك كأنك تعيش إلى الأبد، ولكن عش كل يوم وكأنه يومك الأخير. أتمنى لكم جميعاً كل الخير
كل عام وأنت بخير يا هاشم، وكل عام وكل الأطفال بخير!

حسن هو أب لولدين يستمتعان بالكتابة عن مغامراتهما أثناء تجوالهما في الحياة.