ابنتى تروَضنى…!
ابنتى تروَضنى…!
بقلم: مريم شومان
أنزل كل يوم لأنتظر عودة ابنتى ذات الثلاثة أعوام من المدرسة بالأتوبيس. يصل الأتوبيس وأنظر إلى وجهها وشعرها المتناثر حوله وعينيها الواسعتين تبحث عنى وسط الزحام الموجود على الرصيف الذى أنتظرها عليه. وأنا أحملها من الأتوبيس، تدير رأسها لتودع مدرستها وتلوح لأصدقائها.
عندما يمضى الأتوبيس ليوصل باقى الصغار، أكون أنا قد حملت حقيبة ابنتى هَنا والترمس وأمسكت هى بيدى. أسألها إن كانت قد أكلت سندوتشاتها. إذا كانت قد أكلتها، تنظر إلىَّ بغموض وتقول لى: “انظرى فى الحقيبة حتى تعرفى!” أما إذا لم تكن قد أكلتها، تتجاهل سؤالى وتحاول تغيير الموضوع بالتحدث عن أى شئ حدث فى المدرسة. كل يوم يتكرر هذا المشهد تقريباً وأنا لدى أمل فى أن نصل إلى البيت فى هدوء، ولكن هيهات…
أمس كانت المشكلة بخصوص الشيبس. كانت تتحدث معى عندما وقعت عيناها على سوبر ماركت أمامنا ونحن فى طريقنا إلى البيت، فقالت: “ماما، أنا عاوزة شيبس،” قالتها بصوت طبيعى. فأجبت: “حبيبتى، لقد أسرعت لاستقبالك دون أن آخذ معى المحفظة، لذا يجب أن نصعد أولاً إلى البيت لآتى بنقود ثم نشترى الشيبس.” شرحت لها هذا وأنا متوقعة أن هذا الشرح الوافى سيجعلها تتقبل الأمر ونصعد لكى نأتى بالنقود ثم نشترى ما تريد.
لكنها صرخت قائلة: “لا!” وسحبت يدها من يدى لكى تستطيع استخدام كلتا يديها فى ضربى. وقالت: “أنا أريد شيبس الآن!” فقلت لها: “حبيبتى أنا ليس معى نقود الآن ولن يعطينا الرجل الشيبس دون نقود، فيجب أن ندفع ثمنه أولاً.” واحترت فيما أقوله لها كى أهدئها.
صرخت مرة أخرى قائلة: “الآن! أنا أريد أن أشترى شئ الآن!” بدأ الناس ينظرون إلينا وشعرت بحرج. وبعد محاولات عديدة لتهدئتها باءت كلها بالفشل، حملتها بالقوة (ولم يكن هذا سهلاً وأنا فى شهرى الثامن من الحمل). وبدأت تركل بقدميها وتلوح بيديها، وأصبح هذا الكائن الذى كان يبدو وديعاً منذ لحظات قليلة وهو ينظر من الأتوبيس وكأنه قد انقلب إلى كائن متوحش. وضعتها تحت ذراعى وعبرت بها الشارع ودخلنا العمارة ثم ركبنا المصعد وهى لم تتوقف عن الصراخ.
الأمر لا يتعلق بالشيبس فى حد ذاته، فنفس هذه الطفلة الصغيرة عندما يكون مزاجها معتدلاً هى أول من يقول: “كفاية كده” عندما نذهب للتسوق، وهى صفة بالطبع تجعلها قريبة من قلب والدها. أخواها لا يتعبان من الطلبات لكن هى ليست كذلك. سواء كنت أشترى لها ملابس أو أشياء للبيت، هى أول من يعترض على كثرة الشراء.
والأمر لا يقف فقط عند رحلة العودة من الأتوبيس إلى البيت، لكن أحياناً وقت الذهاب إلى النوم يجعلها تتحول من طفلة لطيفة إلى كائن صعب المراس. أمس، استعداداً لاستقبال فصل الصيف، رفعت الغطاء الثقيل من على فراشىها ووضعت بدلاً منه كوفرتة، ولكنها لم توافق على هذا. بكت كثيراً واتصلت بوالدها لتشكو له منى. فرشت الغطاء الثقيل على الكوفرتة وأنا أنوى رفعه مرة أخرى عندما تستغرق فى النوم. لم تقتنع بهذا، ورفضت أن تغمض عينيها قبل أن تأخذ منى وعد بأننى فى اليوم التالى سأقوم برفع الكوفرتة الصيفى، كما لم تنس فى الصباح التأكيد علىَّ بألا أنسى محفظتى مرة أخرى.
اليوم تلقيت مكالمة من مدرستها فى الحضانة وسألتها كيف حال ابنتى فى الحضانة، فردت المدرسة: “إنها شديدة الذكاء ويبدو أنها تفهم كل شئ بسرعة، لكنها لا تتكلم. لكن الأمر تحسن الآن لأنها أصبحت ترفع يدها عندما أناديها فى الصباح لأخذ الحضور. أعتقد فقط أنها خجولة.”
خجولة، ابنتى أنا خجولة؟ أنا أنتظر وصولها اليوم لأرى ماذا ستفعل هذه الخجولة معى عندما تتحول من طفلة وديعة إلى مروضة لأمها!
تشمل مجموعتنا الواسعة من المقالات جهود أكثر من 20 عامًا من العمل وتغطي مجموعة واسعة من الموضوعات المتعلقة برعاية الأسرة والطفل. تم تطوير جميع مقالاتنا وتحديثها بمساعدة ودعم القادة في مجالات الطب والتغذية والأبوة والأمومة ، من بين أمور أخرى.