إلى أبى الحبيب…
بقلم: سلمى الشايب
كونى كنت طفلة وحيدة لم يكن شيئاً ممتعاً، فقد كنت دائماً أتمنى أن يكون عندى أخ أو أخت لألعب معهما مثل أغلب الأطفال. لم أكن أعلم وقتها أن كونى طفلة وحيدة سيساهم فى توطيد واحدة من أهم العلاقات الإنسانية فى حياتى إن لم تكن أهمها. فمهما كان الوقت القليل الذى يقضيه أبى فى البيت – بسبب عمله الذى كان يجعله دائم الانشغال – كان أغلب هذا الوقت لى. يدهشنى دائماً أننا عندما نكبر نبدأ فى اكتشاف كيف أن آباءنا وأمهاتنا قد أثروا فى رؤيتنا للحياة. فكلامهم مهما شعرنا وقتها أنه ممل، نتذكره عندما نكبر ليذكرنا من نحن.
علاقتى القوية بأبى (كما هو الحال مع كثير من البنات الأخريات) كانت أول علاقة لى مع الجنس الآخر. فهناك الكثير الذى يمكن أن تتعلمه البنت من علاقتها الجيدة بأبيها. رغم أنها علاقة قلما نتحدث عنها فى مجتمعنا وعادةً ما تمر مرور الكرام، لكننى تعلمت على مر السنوات أن العلاقة بين الآباء وبناتهم أعمق بكثير من مجرد تدليل الأب لابنته الصغيرة.
لأننى كنت أعلم أن أبى موجود بجانبى وأننى يمكننى التعبير عن نفسى معه فى أى وقت، تعلمت احترام النفس. عندما تستطيع البنت مناقشة أبويها خاصةً الأب، هذا يعطيها ثقة بنفسها لأنها تشعر أن هناك من يهتم بالاستمع إليها وأن كلامها يستحق الاهتمام. بشكل عام، الأطفال يشعرون باحترام أنفسهم عندما يشعرون أن الآخرين يحترمونهم، ومَن أهم من الأبوين يمكن أن يعطى الطفل هذا الشعور بالثقة بالنفس! مناقشتى مع أبى أعطتنى الثقة والقدرة على مناقشة زوجى وزملائى فيما بعد، فأبى كان يعطينى دائماً الاحترام الذى علمنى أن رأى المرأة ليس أقل أهمية من رأى الرجل.
أول انطباعات البنت عن رأيها فى زوج المستقبل تتكون من خلال علاقتها بأبيها. قد تفكر البنت كالآتى: “أنا أحب هذا وذاك فى أبى وأحب أن يتحلى زوجى بهذه الصفات الجميلة،” أو ربما تتمنى العكس. فى كل الأحوال، كلما كان الوقت الذى تقضيه البنت مع أبيها وقتاً مفيداً كلما شعرت البنت بثقة أكبر عند تعاملها مع الجنس الآخر.
على مدار حياتى، كنت أنظر إلى أبى على أنه معلمى. لقد كان يقف دائماً بجانبى ويمنحنى النصيحة كلما احتجت إليها. الآن ومع مرور الزمن، أشعر أكثر وأكثر بأهمية أن يكون فى حياتى إنسان لا يريد منى شيئاً. قد لا نلاحظ ذلك ونحن نكبر، لكن آباؤنا وأمهاتنا بالفعل لا يطلبون منا الكثير. حبهم الغير مشروط ونكرانهم لذاتهم من أجلنا يجعلهم يساندوننا خلال مراحل حياتنا المختلفة بما فيها من سعادة وأزمات على حد سواء. الآباء والأمهات هذه الأيام لديهم الكثير من مصادر المعلومات من كتب وبرامج وإنترنت، كما يمكن أن يتلقوا دروساً فى التربية ويسألوا الخبراء ويتلقوا ردوداً على كل الأسئلة التى تدور بأذهانهم، أما آباؤنا وأمهاتنا لم يكن لديهم نفس الإمكانيات، أعنى، بالطبع كانت هناك بعض الكتب الخاصة بهذا الغرض، لكن كانت أفعالهم نابعة أساساً من بصيرتهم وفطرتهم. أنا لا أقلل بالطبع من قيمة التقدم العلمى، لكن عندما أحلل الموقف، أشعر أن البصيرة فى الماضى كانت أقوى. على العكس نحن الآن كأمهات وآباء نعتمد على ما يقوله لنا المتخصصون والمدرسون، وعلى وجهات نظر الآخرين فى المواقف المختلفة، …الخ. إن بصيرة الكثير منا الآن أصبحت أضعف وبالتالى أقل دقة.
كم أندهش عندما أقرأ كتاب فى تربية الأطفال أو أقوم بعمل أبحاث فى التعليم – خاصة بعملى – أو حتى أتحدث مع متخصص، فيبدو لى فى النهاية أن الكل يجتمعون على نفس النصيحة التى أعطاها لى أبى منذ زمن بعيد. معرفة كيفية التعامل مع الحياة، كيفية اكتساب الثقة بالنفس، وكيف يمكن أن نكون ناس أسوياء أشعر أنها كلها أمور لا تتغير. عندما أفكر فى حياة أبى وأضع نفسى مكانه، أشعر بدهشة من قوة التحمل التى يتحلى بها. لقد كان بالفعل بالنسبة لى النموذج الذى علمنى مواجهة الصعاب بروح إيجابية وابتسامة عريضة.
أبى ينطق دائماً بالحكمة ليس لأنه بطل (رغم أنه كذلك بالنسبة لى) ولكن لأن كلماته تنبع من القلب. أنا متأكدة أن كثير منكم يشعر بنفس التقدير تجاه أبويه، فلكل هؤلاء الآباء كل الحب والتقدير!
تشمل مجموعتنا الواسعة من المقالات جهود أكثر من 20 عامًا من العمل وتغطي مجموعة واسعة من الموضوعات المتعلقة برعاية الأسرة والطفل. تم تطوير جميع مقالاتنا وتحديثها بمساعدة ودعم القادة في مجالات الطب والتغذية والأبوة والأمومة ، من بين أمور أخرى.